الجمعة، 6 يناير 2012

كفانا الله شر الدنيا



بسم الله الرحمن الرحيم

هل كلنا منشغلون بالعسل

مثل الرجل والتنين :

التمست للإنسان مثلاً فإذا مثله مثل رجل نجا من خوف فيل هائج إلى بئر فتدلى فيها وتعلق بغصنين كانا على سمائها فوقعت رجلاه على شيء في طي البئر فإذا حيات أربع قد أخرجن رؤوسهن من أجحارهن ثم نظر فإذا في قعر البئر تنين فاتح فاه منتظر له ليقع فيأخذه فرفع بصره إلى الغصنين فإذا في أصلهما جرذان أسود وأبيض وهما يقرضان الغصنين لا يفتران فبينما هو في النظر لأمره والاهتمام لنفسه إذ بصر قريباً منه بخلية فيها عسل فذاق العسل فشغلته حلاوته وألهته لذته عن الفكرة في شيء من أمره وأن يلتمس الخلاص لنفسه ولم يذكر أن رجليه على حيات أربع لا يدري متى يقع عليهن ولم يذكر أن الجرذين دائبان في قطع الغصنين ومتى انقطعا وقع على التنين فلم يزل لاهياً غافلاً مشغولاً بتلك الحلاوة حتى سقط في فم التنين فهلك .
فشبهت بالبئر الدنيا المملوءة آفات وشروراً ومخافات وعاهات وشبهت بالحيات الأربع الأخلاط الأربعة التي في البدن ( يعني الدم والبلغم والصفراء والسوداء ) فإنها متى هاجت أو هاج أحدهما كانت كحمة الأفاعي والسم المميت وشبهت بالغصنين الأجل الذي هو إلى حين ثم لابد من فنائه وانقطاعه وشبهت بالجرذين الأسود والأبيض الليل والنهار اللذين هما دائبان في إفناء الأجل وشبهت بالتنين المصير الذي لابد منه وشبهت بالعسل هذه الحلاوة القليلة التي ينال منها الإنسان فيرى ويطعم ويسمع ويشم ويلمس ويتشاغل عن نفسه ويلهو عن شأنه فينسى أمر الآخرة ويصد عن سبيل قصد .


فضلاً وليس أمراً قل
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا             اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين


المرجع من كتاب كليلة ودمنة
للمؤلف عبد الله ابن  المقفع